عرض المقال
روح القانون فى مؤسسة الرئاسة
2013-03-09 السبت
قراءة عقل مؤسسة الرئاسة فى مصر ومعرفة كيف تدار هذه المؤسسة عملية معقدة، آليتها غائبة وكتابها مشفر وحروفها مطموسة، أحياناً تصادفك فلاشات ضوء تساعدك على هذه القراءة من خلال تصريح مستشار هنا أو حوار مساعد رئاسى هناك ولكن تظل القراءة غير كاملة وينقصها الكثير من الوضوح والشفافية، لذلك أصغيت جيداً لمداخلة المستشار فؤاد جاب الله، المستشار القانونى لرئيس الجمهورية، أمس بعد حكم مجزرة استاد بورسعيد فى برنامج «زى الشمس» التى أجرتها الإعلامية، دينا عبدالرحمن وشاركها ضيفاها الأستاذ سيد فتحى ود.شادى الغزالى حرب على أمل أن أنجح فى هذه القراءة، المداخلة كانت ممتدة وفيها تفاعل ما بين المستشار والاستوديو مما يسمح باستخلاص دلالات مهمة تساعد على قراءة عقل مؤسسة الرئاسة ومعرفة كيفية تفكيرها وإدارتها للأمور، تناول الحوار عدة نقاط، منها ما يتعلق بالقضية ومنها ما يتعلق بمدى الإحساس القانونى لدى مؤسسة الرئاسة وكيف تبرر تجاوزاتها القانونية.
الاستنتاج الذى خرجت به من هذه المداخلة قبل الدخول فى تفاصيلها، هو أن القانون لدى مؤسسة الرئاسة هو مجرد نصوص جامدة تخلو من الروح، المهم النص، لكن روح النص غائبة وهو نفس التفكير القطبى للإخوان الذى يقف عند حدود الألفاظ الظاهرية للنصوص الدينية دون التوغل فيما وراءها من أسباب وتعليلات وروح، فعندما تطرق الحوار لتعليق المستشار جاب الله وقوله قبل صدور الحكم إنه سيؤجَّل لأن رأى المفتى لم يصل، قال المستشار كل شىء عن تفاصيل التصريح ولكنه لم يقل إنه ليس من حقه أصلاً أن يتوقع حكماً أو يعلق عليه وهذه بديهيات لا بد كرجل قانون، قبل أن يكون مستشار رئاسة أن يحترمها، أما عندما تحدث عن حصار المحكمة الدستورية، فقد قال إنه أدان الحصار ولكنه لم يتحدث عن استقالته من منصبه كما يحتم عليه إحساسه القانونى الذى لا بد أن يترجم الحصار إلى مهانة ونكسة قانونية تهتز لها جبال ويفزع منها رجال القانون الذين يرون فيها هدماً لأسس القانون نفسه ولذلك لا ينفع معها الحياد أو السلبية أو النظر من البرج العاجى على المشهد، وهنا تحدث جاب الله كمستشار رئيس وليس كرجل قانون لا بد أن ينتفض لحصار أعلى هيئة قضائية فى مصر.
النقطة الثانية التى دافع عنها مستشار الرئيس هى تعيين النائب العام التى وصفها بأنها قانونية 100%، وهنا نسأل سيادة المستشار سؤالاً مشروعاً وبسيطاً، إذا سلمنا بأن التعيين قانونى من ناحية الإجراءات الإدارية المكتوبة فى الدستور القديم، كما تقول فهل هو قانونى من ناحية الروح، من ناحية احترام إرادة القضاة ومجلس القضاء؟ هل هو قانونى من ناحية احترام إرادة الناس؟ أحياناً تستخدم نصوص القانون للالتفاف على القانون نفسه وهذا ما يعرفه المستشار جيداً، وإذا كانت النصوص قد عدلت فى الدستور الجديد كما يقول فلماذا واحتراماً للدستور لم يقدم النائب العام استقالته ليخفف الاحتقان ولا تخلع الرئاسة يدها الآن بحجة عدم التدخل بعد أن تدخلت وبفجاجة فى تعيينه من الأصل.
الخلاصة هى غياب الإحساس بروح القانون فى مؤسسة الرئاسة برغم أنها تدعى أنها تطبق نصوصه، والفرق بين النص الجامد والروح الحية التى تمنح النصوص الميتة قبلة الحياة فرق كبير جداً ومتسع جداً باتساع المساحة ما بين قصر الاتحادية والمحكمة الدستورية.